مقال: لارا يحيى شاور
في بلعين التابعة لمجمع قرى غرب رام الله، يتجمهر الشباب كل يوم جمعة بتنسيق مع اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار في البلدة أمام كل مسجد وفي وسط البلدة ثم يتجهون مباشر نحو الجدار، وكالعادة في نهاية كل أسبوع يكون الجيش قد أعد عدته وعتاده ليستقبلهم؛ اللافت للنظر أن هذه التظاهرات التي بدأت تنطلق كل جمعه منذ كانون الثاني/ يناير عام 2005م؛ فيها من الفئات العمرية كلها بل ومن كل الديانات والجنسيات جميعها فتجد اليهودي القادم من تل الربيع (تل أفيف/ ابيب حاليا)، وقد يكون تابعا لجمعيات إسرائيلية مثل (فوضويون ضد الجدار) وغيرها من الجمعيات المناهضة لجدار الضم، والتوسع العنصري، وتجد أيضا الإسباني والبريطاني، والياباني حتى المتضامنين مع أهالي بلعين والفلسطينيين ضد الجدار.
قبل بدأ المظاهرة، يبدأ تجمهر الشبان على طول الجدار الحديدي، متجهين صوب الجيش لتعليق الأعلام الفلسطينية على الجدار، بوجود الجيش! الذي لا يبدي أي تحركات مضادة، ما لم يقذفهم أحدهم بحجر ليبدءوا بإطلاق الأعيرة النارية صوب الشبان، فيتراجعوا للوراء تحت نداءات المتضامنين: " انتظروا البقية كي يصعب عليهم إطلاق النيران".
الجيش الذي يكون قد أعد عدته لاستقبال المتظاهرون، من نشر للجنود المشاة على طول خط سير الجدار في المنطقة التي يتوجه لها المتظاهرون ، ونصب عربة بيضاء تشبه سيارات البلدية، كما وصفها الصحفي ناصر إشتية مراسل الأسوشيتد برس، محذرا إن رأيتموها لا تقتربوا كثيرا فرائحتها كريهة لدرجة أنكم ستلقون ملابسكم في حاوية المهملات، يرش منها المتظاهرون بسائل لعين رائحته تشبه إلى حد ما فضلات الإنسان- "رغم أن رائحتها أسوأ من ذلك بكثير"، واستعداد دوريات الجيش على رأس التله التي يتجه نحوها المتظاهرون، الاستعدادات تتضمن إطلاق مئات عبوات الغاز المسيل للدموع ضد المتضامنين، ليشعروا أنها عبارة عن أمطار غازية.
بلعين فيها لجنه شعبية لمناهضة الجدار (كمثيلاتها من القرى والمدن الفلسطينية التي يمر منها الجدار)، وهذه اللجنة فيها شاب في العقد الثاني من عمره، يذهب للمظاهرة كل جمعه، ليس فقط للتظاهر، وإنما لتحذير المتظاهرين فكل أسبوع يوجد ناس جدد، والشاب المتحدث بالإنجليزية يبقى بين جموع المتظاهرين، يدلهم كيف يتصرفون في حال إستنشاقهم للغاز، وكيف يهربون منه قائلا: (انتبهوا أين تسقط العبوة، فقد تسقط على رؤوسكم، الهواء الآن غربي، لا تنزلوا إلى الوادي، فهو اتجاه الغاز الآن، لا تستنشقوا الهواء بكثرة حيث تشتموا الغاز، لا تغسلوا وجوهكم إن استنشقتم الغاز، فهذا يزيد الأمر حدة عليكم)، الشاب يردد هذه العبارات طوال الوقت بدون انقطاع باللغتين العربية، والإنجليزية، كي يفهمها العرب والمتضامنين.
المظاهرة هذه تشهد أحداثا غريبة طوال الوقت، فإن نظرت إلى اليمين ترى عربيا يتعرف على غربي ويحادثه عن الأوضاع، والمظاهرة، والبلدة، والى اليسار وفي خضم الأحداث ترى شبانا آخرين يتحدثون عن اللعبة الأخيرة في كرة القدم بين الفريقين الإسبانيين برشلونة وريال مدريد، وفي الوقت نفسه يستعدون لقذف الحجارة بالنبلة، جامعين ما يقع بين أيديهم من حجارة، وعلى الطرف الآخر تسمع اثنين يسخرون من قنابل الغاز، ويصرخون على الجيش: (المرة هاي مش زابطة معكم، مش قادرين توصلونا، شو القصة كنها العبوات مغشوشة).
الخط الأحمر في هذه اللعبة، هو عبور البوابة، فما أن يعبرها أحد الشبان، حتى يتلقاه الجنود بعبوات الغاز المسيل للدموع، والأهم من ذلك رشة بالسائل الغريب ذاك، ويستعد الجنود المنتشرون في الوادي خلف الجدار لتصوير الشاب الذي قطع الخط الأحمر، لاعتبارات أمنية تخص إسرائيل وحدها "الدولة الديمقراطية!"، التي تستهدف مدنيين عزل، جاؤوا للاعتراض على سياسياتها العنصرية، التي ستجعلهم، أو بالأحرى جعلتهم يعيشون في غيتو- القرن الحادي والعشرين، على مرأى ومسمع العالم أجمع.
الصحفيون الذين تعودوا أن يتوجهوا يوميا إلى بلعين، يعرفون الأهالي فردا فردا تقريبا، ويلتقون أسبوعيا في بلعين نهاية الأسبوع ، يصفون الحدث وكأنه عابر أو عادي، ربما لأنهم اعتادوا عليه، لكنه ليس عاديا ولا طبيعيا، أبداً أن ترى هذا التجمع ضد الجدار، وتشاهد أمطارا من قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع تسقط فوق رأسك، مسيرة بلعين ليست مجرد مسيرة إنها مسيرات منظمة، تجد فيها كل الفئات وغير المثقفين قبل المثقفين الواعين لأهمية هذه المسيرة، ودورها في دعم الصمود الفلسطيني وإعطاء صورة مشرقة عن فلسطين الغد، فهذه المقاومة الشعبية المجيدة التي خلدتً بلدة صغير لا يتجاوز عدد سكانها ال1800 شخص في التاريخ، ورفعت اسم فلسطين فوق كل جبهة، والمظاهرات أصيب فيها العديد من الشخصيات المهمة دوليا وإسرائيليا أيضا منهم نائبة رئيس البرلمان الأوروبي لويزا ماركانتي في العام2008م، لم تترك مجالات لملئ الفراغات في القضية الفلسطينية، فقد ملأتها جميعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق