تقرير اخباري:
لارا شاور
أناس جبلوا بملح الأرض حتى أدمنوه، فلم يعودوا يطيقوا العيش بعيدا عن أراضيهم، حتى لو كان ذلك عنوتا، في أقصى جنوب الخليل تقع إحدى خربة عرب الرماضين، حيث يحاصرها الجدار ومستوطنات أشكالوت الأقرب على منطقة الجدار ومستوطنتا سنسانة وتيناعوماريم.
الحاج تيسير عمرو الذي قطع العقد الثامن من عمرة يقطن وأفراد أسرته الأربعين قرب الجدار، تعيش العائلة على ما تحصده من الأرض، وما تبيعه من رؤوس الأغنام، وقد بدأت فصول المعاناة تفرض على عائلة الحاج تيسير مع بداية بناء الجدار، بسبب وقوع أرضه التي يسميها افراد العائلة بالمزرعة لأن الحاج تيسير وابناءه يربون فيها الاغنام خلف الجدار، ورغم أن الجدار في منطقة الرماضين مقصوص من النصف بفعل ايدي ابناء المنطقة، الا ان الدخول بالسيارات او حتى البواجر على ما يرويه، ممنوع بصورة او بإخرى فإن وصلهم اليوم الى الارض، يتم عدوا خوفا من التعثر بجيب جيش او بإمتطاء الخيول.
القصة الكاملة
الحاج تيسير عمرو، من مواليد الرماضين، ورث عن والده حوالي ال200 دونماً متفرقات بين منطقة معيشته على أطراف الجدار ومنطقة أصبحت واقعة خلف الجدار، بالقرب من مستعمرة اشكالوت، وتبلغ الأرض مساحة حوالي ال40 دونماً، لم يتخل عنها ولو لثانية، فقرر الدخول اليها تهريب من فتحات الجدار، إلا أن ما يعيقهم إكتشاف الجيش لتسربهم والطريق التي يدخلون منها اتجهت آلياتهم نحوها لردمها، المسافة بين المنطقتين تبلغ حوالي الثلاث كيلو متر، يسيرها أفراد العائلة متفرقين أو جماعة نحو الأرض الواقعة مقابل المستوطنة حيث يقطن ثلاث أفراد من عائلة عمر في منطقة الكسارة، أو كما يدعوها أفراد العائلة: المزرعة؛ يقول أصغرهم جهاد تيسير عمرو 18 عاما: أنه يقطن هنا بعيدا عن أهله منذ ثلاث سنين، وقدم امتحانات الثانوية العامة وهو في هذه الأرض بعيدا عن العائلة، ولشدة تعلقه بها قرر عدم التسجيل في جامعة تلزمه الحضور يوميا، وسجل فرع خدمة اجتماعية في جامعة القدس المفتوحة، عن تجربة الدراسة في مكان أقل ما يمكن وصفة بالعيش في البرية بدون ماء أو كهرباء، بالطبع أوضح جهاد أن المنطقة التي يعيش فيها الآن فيها مولد كهرباء، يشغل لأربع ساعات ليلا، وذلك بسبب صعوبة توفير الوقود للمولد، وهو غالبا ما يستغل هذا الوقت في الدراسة، كونه في النهار ينشغل برعي الأغنام.
القاطن الثاني في المزرعة هو العم ناصر موسى عمر 34 عاما ويقول: "ابن أخيه عماد تيسير" أن العم كثير الاشتباك مع قوات الجيش أو أنها هي كثيرة الاشتباك معه، فما أن يلمحه الجنود في المنطقة حتى يعتقلوه ويلقوه بعيداً بالقرب من حاجز ترقوميا إلى شرقي من مدينة الخليل.
قال لي عماد الأخ الأوسط من حيث الترتيب، أن السبب الرئيسي لوجود العم وأخوية في تلك المنطقة ليس فقط العيشة المريحة نفسيا، ففكرة المبيت في الأرض والبناء عليها أتت بعد أن أصدر جيش الإحتلال منذ ثلاث أعوام مرات عدة أمراً للمصادرة، ورغم تواجدهم الشبه دائم فيها هم وماشيتهم إلاّ أن الجيش ظل مصرا على ضرورة رحيلهم منها بحجة أنها أراضي دولة؛ وتحدياً لذلك أصبحوا لا يغادرونها لأنهم إن غادروها سيسرق المستوطنون القاطنين في أشكالوت المحاذية لهم أغنامهم، موضحا أن الجيش لا يترك المنطقة، فمنذ أيام فقط كان جنود الإحتلال قد هاجموا أخويه وعمه المقيمين في الأرض، وهدموا الخيام التي يقيمون فيها فوق رؤوسهم، وأطلقوا النيران على خزانات المياه لإفراغها وأخذ فراشهم آمرا إياهم بمغادرة المنطقة معلنا إياها منطقة عسكرية مغلقة.
لو طردونا ألف مرة سنعود
بدأ تيسير الحاج الثمانيني يصرخ مفرغا ما بجعبته من الم: "لو طردت أنا وأبنائي وأحفادي من الأرض سنعود لها فكواشين الأرض معنا ومهما حاول محتلنا طردنا سيفشل"، بهذه الكلمات أكمل روايته وحادثني بأسى حين أوضح رعبه الكامن على الصغار من هجوم الجيش وقطعان المستوطنين عليهم،عدا عن تسليم الجيش لهم أوامر بهدم البيوت وإخلائها، رغم أن هذا لم يزدهم إلا إصرارا على البقاء.
بنى إبن الحاج تيسير كلماته على كلمات أبيه فإجتاحت إبتسامة وجهه وهو يقول: "أنا أحب أن أثبت لهم دائما أني لن " أطرد من أرضي عنوة"، " هم يمنعونا من الرعي في الأراضي المجاورة للمستوطنة وكل مرة يأخذونا إلى حاجز ترقوميا، وفي كل مرة نعود إلى هنا، كأنما لم يكن شيء، فحق الرعي في أراضي "المزرعة" يساوي حقي في الوجود عليها".
نماذج الصمود في الأراضي الفلسطينية، تزداد وضوحا يوما بعد يوم، ليزداد الفلسطيني فخرا بوجود أبناء كعائلة عمر في مدينة الخليل، وغيرها من المدن الفلسطينية، ويزداد قناعة بأن شوكة الفلسطيني لن تكسر يوما، ولن يعطي حقه للإسرائيليين، ويعيش نكبة جديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق